من الناحية الصحية البحتة نقرّ بأن كل ما يتماشى مع فطرة الإنسان هو أمر صحي تماماً، وحتى لو أمطنا اللثام عن بعض الفوائد الآن، فإن ما لا نعرفه من منافع أكثر، من المعلوم أن أنثى البشر تولد وفي مبيضيها ما بين 700 ألف إلى 5 ملايين بويضة، ولا يبقى منها عند البلوغ إلا 400 ألف، وينضج منها 500 بويضة فقط، وفي سن اليأس يجف النبع وتنضب بويضاته، وهكذا نجد أن البويضات تتناقص على الأقل عدداً وبشكل متسارع مع تقدم العمر، أما بالنسبة للذكر فإن المقدرة الجنسية عنده بمعناها البنيوي الجسدي وبمعناها التكاثري تتناقص أيضاً مع تقدم العمر، فمن الثابت إزدياد حالات الضعف الجنسي والعقم المكتشفة حديثاً عند الذكور بتقدم العمر، وإذا ما ربطنا ذلك مع تناقص الرغبة الجنسية عند الجنسين بتقدم العمر فإن فرص الحمل والإنجاب تتناقص بالتالي.
من جهة أخرى فإن الإنسان ذكراً كان أم أنثى تتزايد مع تقدم العمر معدلات إصابته بالأمراض وخصوصاً الأمراض المزمنة، فالسكري تتضاعف نسب حدوثه مع تقدم العمر، وإرتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وحالات الإحتشاء -الجلطة القلبية- وزيادة الدهون والكولسترول وغيرها هي من الأمراض المعروف أصلاً أنها تأتي مع تقدم العمر بشكل أساسي، وبالطبع هذا يؤثر بشكل أو بآخر على الحالة الأسرية، وبالنسبة للمرأة فإن الأمر مهم أكثر كونها ستحمل بإذن الله وستلد وسترضع وكل هذه الأمور ليست كلمات عابرة بل هي وهن على وهن، وتحتاج لبنية مناسبة وحالة صحية مواتية، وبالتالي فإن الزوجة الفتية هي الأقدر على ذلك.
* جانب آخر: لا يمكن لنا إلا أن نذكره، ألا وهو إزدياد حدوث بعض الأمراض لدى الجنين بتقدم العمر، فتقدم عمر الأم مثلاً يؤدي لزيادة حالات متلازمة داون أو ما يدعى بالمنغولية، فعندما يكون عمر الزوجة 20 سنة يكون إحتمال إنجابها لطفل مصاب بذلك واحد من أصل 2000، وتزداد النسبة لتصبح واحد من 100 في حال كان عمرها 40 سنة، أما لو كان عمرها 49 سنة فإن النسبة تتضاعف أكثر لتصبح واحد من أصل 12، وقد عزي ذلك لأسباب عديدة من بينها قلة مرات الجماع وزيادة إحتمالات التعرض للأشعة على البطن وللفيروسات مثل التهاب الكبد الإنتاني وغير ذلك، كما أن مراجع طبية عديدة قد أكدت إزدياد نسبة حدوث حالة تثلث الصبغي 18، وتثلث الصبغي 13، مع تقدم عمر الأم، أما متلازمة أبرت فإنه من المؤكد زيادة حدوثها في حال كان عمر الأب أكثر من 50 سنة، وذكرت بعض الدراسات تزايد حالات تثلث الصبغي 18 أو متلازمة إدوارد في حال تقدم عمر الأب، وهذه ليست إلا أمثلة على تزايد نسبة الأمراض المشوهة عند الأجنة مع تقدم عمر الوالدين، والعكس صحيح.
لقد بينت الدراسات أيضا قلة المشكلات والإختلاطات أثناء الولادة مع نقص عمر الزوجة، حتى أن بعضها ذكر نقص معدلات إجراء العمليات القيصرية كلما صغر عمر الزوجة، كما أنه من المعروف أيضاً إمكانية علاج بعض حالات العقم بشكل أفضل في حال كشفها بأعمار مبكرة، بالإضافة لأن الزواج المبكر يعني تقارباً بالعمر بين الآباء والأبناء وفي هذا سعادة للطرفين، وفيه تكون معدلات الحياة الزوجية أطول بإذن الله، ولو إتجهنا صوب جانب الصحة النفسية، فإن الزواج مدعاة بإذن الله للإستقرار النفسي، وهذا وما يتبعه من راحة بدنية وعقلية يؤدي لنقصان ما يسمى بالأمراض العضوية النفسية وما أكثرها في عصرنا، ومن أمثلتها القرحة الهضمية وإرتفاع ضغط الدم، كما أن الحياة العائلية وما تستدعيه من حركة وعمل ونشاط داخل المنزل وخارجه مدعاة بحد ذاتها لصقل الجسم وبنائه بشكل أفضل، وربما يساعد في ذلك ما يقوم به بعض الأزواج مع أبنائهم من ممارسة للرياضة المنزلية.
إن الجنس هو من الغرائز الطبيعية عند البشر، والزواج المبكر هو من أروع الحلول الموضوعية المعروفة لقضية الجنس لمنع إنحرافها بإتجاهات خاطئة لا سمح الله، ولتوجيهها بالشكل الصحيح لتؤدي الغاية التي أوجدها الله تعالى من أجل تحقيقها، ونحن نعرف أن من أكثر ما يشغل بالنا هو ما يمكن أن يتصرفه شاب غير متزوج بمجرد سفره للخارج سواء صرحنا بذلك أم لا، إن الزواج هو بحد ذاته حاجز بإذن الله لمنع التصرفات الطائشة والحد من الشذوذات والأمراض المنتقلة بالجنس وهي موضة العصر ومن أمثلتها السيلان والسفلس الزهري، وليس الإيدز عنها ببعيد، ناهيك عن الإدمانات وأشباهها، وفي منع ذلك فوائد صحية لا تقدر بثمن، لكل مرحلة من مراحل حياة الإنسان ما يناسبها أكثر من غيرها، وبالطبع فإن الزواج له مرحلة مناسبة تناسبه أكثر من غيرها، وهي والله أعلم تتراوح ما بين 17-21 سنة، حيث أنه بهذه السن تنتهي المرحلة الثالثة والأخيرة من المراهقة، قد يزيد العمر السابق أو ينقص تبعاً لعوامل عديدة، منها ما يتعلق بالمجتمع ككل، ومنها ما يتعلق بالفرد نفسه.
إن الزواج بإعتباره نقلة نوعية في حياة الشاب والفتاة على السواء هو حافز للعمل والإنتاج والعطاء وحتى الإبداع، فنحن نعلم كم من الوقت يقضيه الفتى أو الفتاة وهو أو هي يفكران بالجنس الآخر على مقاعد الكليات والجامعة، وحل هذه القضية بشكل شرعي سليم هو بالتأكيد الخطوة الأساس نحو زيادة التحصيل والبناء، إنه لمن الضروري عدم ترك الأسرة الجديدة والأزواج الشباب في مهب الريح، بل لابد من دعم هذه الأسرة من كل النواحي ومساندتها وإصلاح ذات البين عندما يدب أي خلاف، فالخلافات واردة وهي أمور طبيعية تقوي من وجهة نظري الحياة الأسرية لو وجهت بالشكل الصحيح، وهذه الأمور التي يمكن للآباء والأمهات أن يساعدوا أبناءهم بها هي من الضمانات بإذن الله لبناء أسرة سليمة صحيحة قوية وسعيدة وبالتالي مجتمع صحي وسعيد، ولا يتأتى ذلك إلا من ركيزة أساسية تبنى عليها كل أنواع السعادة ألا وهي تطبيق ما تقتضيه الفطرة السليمة وفق الشرع الحنيف، والله من وراء القصد.
الكاتب: أ.عبد المطلب السح.
المصدر: المختار الإسلامي.